کد مطلب:350962 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:174

زبدة المخض
إن البرهان - العقلی دل - نظرا لحاجة الناس الماسة إلی وجود الهادی

بین ظهرانیهم والمصلح لشؤونهم، والحاكم بالعدل بینهم، إلی ما سوی هدا مما یتطلبه صالح أمورهم وفی الدارین -: علی أن الله تعالی یجب علیه لطفا بعباده أن یجعل فیهم - وقد جعل - من یكون العالم بالكائنات كافة، والعلوم والفنون، والمتحلی بأبراد الكمال كلها، حتی یكون الفرد الأوحد فی عصره، الصالح للنهضة بالإرشاد والهدایة، للعالم، والمضطلع بهذا العبء الباهض، حتی لو كانت له الهیمنة علی الكرة الأرضیة برمتها، لاستطاع أن یدبر شؤونها أحسن إدارة، ویدبر أمورها أجمل تدبیر كما یقوی علی خصم كل محاجج بالقوة البیانیة والآیات الفعلیة، ویستطیع الجواب عن مسألة كل سائل، بالكشف عن الحقیقة، وإماطة الستار عن الواقع، لیكون حقا هو الحجة البالغة من الخالق علی الخلق والهادی لهم بعد ذلك الرسول المنذر.



[ صفحه 96]



وإن النقل قد عاضد هذا البرهان العقلی، وفصل، وأبان غامضه حتی لا یبقی لذی وهم ریب، ولذی مسكة عذر، فی الاعتقاد بوجوب وجود ذلك الهادی فی الأمة. قد جاءت الأفعال والأقوال ممن تجلبب تلك الصفات الكریمة وفقا لتینك الدلالتین من العقل والنقل، حتی یتضح للعالم أجمع أن من یجب أن یوجد لطفا منه تعالی بعباده متحلیا بهاتیك الخصال الجملیة والهبات القدسیة، قد أصبح والوجود مفاض علیه، بحیث لو فحص عنه طالب الحق لوجده شخصا مرئیا وقالبا حسبا، لا یحید عن تلك المزایا الجلیلة قید شعره. ولو قام یخال بأنه برهان علی أن لیس فی البشر ممن یجمع هذه الخصال ویتقمص بهذه الصفات، أو أنها لیست بتلك السعة المزعومة. أو العلم منها خاصة، فهو مردود مرفوض، لمخالفته لجهتی العقل والنقل، بل وللوجدان: من فعل الإمام وقوله... فهل بعد هذه الحجج النیرة یصغی إلی شبهة، أو یلتفت إلی زعم... وقعود الناس عن معرفة تلك الحجة البالغة، وسكوتهم عن طلب ذلك الإمام الهادی أو سلوكهم فی غیر سبیله، بعد سطوع نهجه، ووضوح أمره، لا ینقص من شأنه ولا یحط من كرامته، ولا یبطل حجته، ولا یفسد المصلحة التی من أجلها اختیر وجعل إماما، ومن جرائها اصطفی وانتخب. وعدم إظهاره أو تظاهره بذلك العلم المخزون والفیض الغمر



[ صفحه 97]



أحیانا. حذرا من عدم قبوله أو عدم احتماله، أو خشیة من العدو الحاسد وبطشه أو خوفا من غلو الناس وإفراطهم فی الدعوة، لا یكون ذلك شاهدا علی عدم الوجدان لذلك العلم أو عدم سعته، وما تحمل الإمام للمصائب والنوائب، وهو القدیر علی دفع ما منی به، ورفع ما نزل بساحته، إلا لتأكد الحجة علی الخلق مع ما له من الحجج البالغة، وإلا لدفع أوهام الغلاة، ومزاعم المفرطین فی الحب، الذین یخرجون الإمام عن مستوی البشر، ویلبسونه أبراد الأولوهیة. وقد كشف عن هذه الغامضة السفیر الجلیل الحسین بن روح علیه الرحمة وقد سأله سائل قائلا له، أخبرنی عن الحسین بن علی علیهما السلام أهو ولی الله؟ قال: نعم. قال الرجل: أخبرنی عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله؟ قال نعم. قال الرجل: فهل یجوز أن یسلط الله تعالی عدوه علی ولیه، فقال له ابن روح: إفهم عنی ما أقول لك، اعلم أن الله تعالی لا یخاطب الناس بمشاهدة العیان، ولا یشافههم بالكلام، ولكنه جل جلاله یبعث إلیهم رسلا من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم، ولو بعث إلیهم رسلا من غیر صنفهم وصورهم، لنفروا عنهم، ولم یقبلوا منهم، فلما جاءهم وكانوا من جنسهم یأكلون الطعام، ویمشون فی الأسواق، قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا لا نقبل منكم حتی تأتونا بشئ نعجز أن نأتی بمثله، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر علیه. فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التی تعجز الخلق عنها. فمنهم من جاء بالطوفان بعد



[ صفحه 98]



الإنذار والإعذار، فغرق جمیع من طغی وتمرد ومنهم من ألقی فی النار، فكانت علیه بردا وسلاما، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة، وأجری من ضرعها اللبن، ومنهم من فلق البحر وفجر له من الحجر العیون، وجعل له العصی الیابسة ثعبانان تلقف ما یأفكون، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحیی الموتی بإذن الله وأنبأهم بما یأكلون وما یدخرون فی بیوتهم ومنه من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعیر والذئب وغیر ذلك. فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن یأتوا بمثله. كان من تقدیر الله تعالی ولطفه بعباده وحكمته، أن جعل الأنبیاء علیهم السلام مع هذه المعجزات فی حال غالبین وفی حال مغلوبین وفی حال قاهرین وفی حال مقهورین، ولو جعلهم الله تعالی فی جمیع أحوالهم غالبین وقاهرین ولم یبتلهم ولم یمتحنهم، لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالی، ولما عرف فضل صبرهم علی البلاء والمحن والاختبار. ولكنه تعالی جعل أحوالهم فی ذلك كأحوال غیرهم لیكونوا فی حال المحنة والبلوی صابرین، وفی حال العافیة والظهور علی الأعداء شاكرین، ولیكونوا فی جمیع أحوالهم متواضعین غیر شامخین ولا متجبرین، ولیعلم العباد بأن لهم إلها هو خالقهم ومدبرهم، فیعبدوه ویطیعوا رسله وتكون حجة الله ثابتة علی من تجاوز الحد فیهم، وادعی الربوبیة لهم، أو عاند وخالف وعصی وجحد بما أتت به الأنبیاء والرسل علیه السلام، لیهلك من هلك عن بینة ویحیی من حی عن بینة. قال محدث هذا الحدیث (محمد بن إبراهیم بن إسحاق): فعدت



[ صفحه 99]



إلی ابن روح من الغد، وأنا أقول فی نفسی: (أتراه ذكر ما ذكر لنا یوم أمس من عند نفسه؟ فابتدرنی فقال لی: یا محمد لئن أخر من السماء فتخطفنی الطیر، أو تهوی بی الریح فی مكان سحیق، أحب إلی من أن أقول فی دین الله تعالی برأیی ومن عند نفسی، بل ذلك عن الأصل،مسموع عن الحجة علیه السلام [1] .

وهل بعد هذا البیان من عذر أو حجة لمن یزعم بأنهم لا یعلمون علی ما یقدمون، وأن دائرة علمهم ضیقة لا تحیط بالحوادث، ولعمر الحق إن القول بحضور علمهم لا یحتاج إلی كل هذه الحجج والبراهین بل إن البعض مما سلف كاف فی الإیضاح عنه والكشف عن نقابه وإزاحة الشبهة فیه غیر أن وفور الأدلة دعانا إلی استطراد البعض منها وإن أغنی النزر منها.


[1] إكمال الدين وإتمام النعمة: التوقيعات.